خاص | بين التقسيم الزماني والمكاني ومخططات التهويد.. هل بدأت معركة الأقصى؟
تتسارع الإجراءات الصهيونية التي ترعاها الجهات الرسمية داخل الكيان، إلى فرض واقع جديد في المسجد الأقصى، استكمالاً لمشاريع تهويد المسجد المقدس لدى المسلمين، وتغيير الهوية الدينية والثقافية والإجتماعية لمدينة القدس المحتلة.
ولأن المسجد الأقصى هو محور ومحرك الإنتفاضة في فلسطين، تعمل سلطات الاحتلال من خلال الاقتحامات إلى فرض التقسيم المكاني والزماني عليه، وبالتالي سحب الوصاية الهاشمية (الاردنية)، من خلال تنظيم عمليات اقتحام المستوطنين اليهود وتمويلها رسمياً، وتخصيص أماكن لهم لأداء صلواتهم التلمودية، وفتح الباب أمام اليهود للدخول إلى المسجد وباحاته.
وتسعى السلطات الاسرائيلية إلى تحقيق حلمها المنشود، بتحويل المسجد الأقصى إلى معبد يهودي، عبر تقاسمه بداية مع المسلمين، وخلق واقع جديد داخله، وبدأ هذا المخطط بالتنفيذ مع السيطرة الصهيونية على حائط البراق وتحكم الاحتلال في بوابات الدخول والخروج المحيطة بالمسجد.
حتى العام (2000)، كانت مديرية الأوقاف الإسلامية بالقدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، مسؤولة عن دخول الأجانب، لكن وبعد اقتحامه من قبل رئيس الحكومة انذاك أرييل شارون، تغير الأمر، وتحكمت شرطة الاحتلال بالبوابات، وقيدت حركة الفلسطينيين.
وتحدث الكاتب والباحث المتخصص في الشأن الصهيوني الدكتور نبيه عواضة عن سياسة تراكمية اسرائيلية، لتهويد المدينة القديمة في القدس المحتلة، حيث وضعت حكومة بنيامين نتيناهو عام 2009 خطة (2030) لتهويد القدس، حيث جرى “أسرلة” المدينة بشكل كامل، وتحويل الأسماء العربية إلى يهودية واسرائيلية، وعملت سلطات الاحتلال على تهجير الفلسطنيين من المدينة القديمة، ودفعهم إلى الخروج منها عبر قانون “أملاك الغائبين”.
ويعني التقسيم الزماني للمسجد الأقصى، تحديد أوقات محددة لدخول المسلمين إلى المسجد وأخرى لليهود، ويتضمن ذلك منع دخول المسلمين إليه في الاعياد اليهودية، ومنع رفع الأذان في أوقات محددة، وبالتالي يصبح المسجد الأقصى مشتركاً بين المسلمين واليهود.
أما التقسيم المكاني، فهو تخصيص أماكن محددة لليهود، لكن الأخطر من ذلك، هو السماح لهم ببناء معبد يهودي داخل المسجد الاقصى، وبالتالي تغيير هويته الدينية الإسلامية، منذ آلاف السنين.
ومن هنا تمكن خطور تصريحات وزير الأمن الصهيوني بن غفير، الذي أعلن قبل أيام نيته بناء كنيس في ساحات المسجد الأقصى (جبل الهيكل وفق التسميات الصهيونية). وتحدث أيضاً خلال مقابلة إذاعية، أن هناك تقدما كبيرا جدا في فرض السيادة والسلطة على المسجد الأقصى.
ويعني بن غفير بكلامه، أن سلطات الاحتلال تمكنت وبالقوة من فرض دخول المستوطنين إلى المسجد الأقصى في أوقات معينة من اليوم، حيث يشهد المسجد المبارك اقتحامات يهودية يومية، تحميها شرطة الاحتلال، وكذلك اقتحامات في الأعياد اليهودية، ما يعكس التقسيم الزماني للمسجد الاقصى. واقتحم بن غفير باحات المسجد 6 مرات منذ توليه حقيبة وزارة الأمن القومي مطلع عام 2023، و3 مرات منذ بدء معركة “طوفان الأقصى”.
وأكد مدير مؤسسة القدس الدولية ياسين حمود، أن الحكومة الصهيونية نجحت إلى حد كبير في فرض التقسيم الزماني على المسجد الأقصى، وهي اليوم تخصص الأوقات من الساعة (7:00) صباحاً إلى (11:30) ظهراً ومن الساعة (13:00) إلى (14:15)، لاقتحامات اليهود وادائهم الصلوات الخاصة بهم.
وحذر حمود من أن الحكومة تسعى إلى استغلال الاعياد اليهودية لزيادة وتيرة الاقتحامات، مبدياً خشيته من أن المستوطنين قد حولوا بشكل غير معلن الساحة الشرقية لباحة المسجد الأقصى إلى مكان خاص بهم، وقال إنه ليس من المستبعد أن ياتوا الشهر المقبل بكراسي ومقاعد ليقيموا معبدهم الخاص بهم ولو معنوياً.
الواقع المر.. ماذا عن الدور العربي وأين الوصاية الأردنية؟
لفهم الوضع القائم (مصطلح مرتبط بتنظيم إدارة المقدسات الإسلامية في القدس)، لا بد من العودة قليلاً إلى تاريخ احتلال الجيش الاسرائيلي مدينة القدس عام 1967، ودخول وزير حرب العدو آنذاك موشي ديان، إلى المسجد الأقصى، حيث وُضع المسجد تحت إدارة وزارة الأديان الإسرائيلية، كبديل عن وزارة الأوقاف الإسلامية، وبالتالي باتت الوزارة الصهيونية تشرف على خطبة الجمعة وعلى كل المحتويات في داخل المسجد الأقصى.
غير أن المسلمين وبعد رفضهم هذا الأمر، جاء انشاء الهيئة الإسلامية العليا، وتم وضع المسجد الأقصى تحت وصاية وزارة الأوقاف الاردنية، وبالتالي باتت حماية المسجد الأقصى من مهمة السلطات في عمان، وأي اعتداء عليه هو اعتداء بالدرجة الأولى على الاردن. لكن المملكمة الهاشمية في الاردن لا تقدم على أي شيء في الوقت الحالي للدفاع وحماية المسجد الأقصى من الخطط التهويدية.
وهنا أشار الدكتور حمود، إلى ان الوضع القائم الحالي في المسجد الأقصى مختلف عما كان في الوقت السابق، حيث كان الدخول والخروج إليه يستلزم الاستئذان من وزارة الأوقاف الاردنية. أما اليوم فإن واقع المسجد الاقصى هو احتلال بكل ما للكلمة من معنى. وأعاد حمود التذكير بمنع الاحتلال للآذان في المسجد المقدس لدى المسلمين عام 2017.
حرب دينية
حالياً، يتركز العدوان على الأقصى بحسب تقرير “عين على الأقصى الـ18” لمؤسسة القدس الدولية، ضمن ثلاثة مسارات رئيسة، هي المضي في مخطط التأسيس المعنوي للمعبد، وتكريس حصار الأقصى وتثبيت مسارات التقسيم المكاني والزماني.
ورفعت “جماعات المعبد” المدعومة من حكومات الإحتلال المتعاقبة، شعار “معركة المعبد” في وجه “طوفان الأقصى”، فسخَّرت جهودها لحثِّ المستوطنين على المشاركة في العدوان الإجرامي على قطاع غزة، وشجَّعتهم على اقتحام المسجد الأقصى قبل المشاركة في قتل الأطفال والنساء والشيوخ في غزة. وترى تلك الجماعات، التي تُعدُّ ركنًا أساسيًا في حكومة نتنياهو، أن انتصارها يعني القدرة على بناء “المعبد” والتسريع بالخلاص وقدوم المسيح المنتظر.
وتؤكد المقاومة الفلسطينية أن المساس في المسجد الأقصى وتغيير الواقع القائم، هو حرب دينية، تشنها حكومة الإحتلال، تهدف إلى السيطرة المطلقة على المسجد الأقصى، وتحويله مسجداً يهودياً، تحقيقاً لنبوءات تلمودية. ومن شأن هذه السياسات تفجير الوضع بالكامل، وتغيير الواقع السياسي والعسكري في فلسطين المحتلة، وفي المنطقة ككل.